top of page

من العوامل النفسية إلى الحلول العملية: تطبيقات علم نفس التحكم الداخلي في فهم ظاهرة "التشبيح"

Updated: May 16


التشبيح الشبيح الشبيحة

مفهوم التشبيح

التشبيح مصطلح شاع خلال الثورة السورية التي دامت ما يقارب 14 سنة (2011 - 2024), ومازال مستخدما حتى الآن,   حيث يطلق  للإشارة إلى سلوكيات عدوانية تُمارَس من قِبَل أفراد أو مجموعات لدعم جهة معينة أو فرض السيطرة. وكذلك يستخدم المصطلح للإشارة إلى الأشخاص الذين يتبنون سلوكيات همجية وعنيفة تجاه الآخرين، بهدف السيطرة أو إثبات القوة في المجتمع. المصطلح ليس علميًا وغير موجود بعلم النفس أو علم الاجتماع, إلا أن السلوك الذي يصفه يمكن تحليله من خلال  عدسات علم النفس. وفي هذا المقال، سأناقش سلوك “التشبيح” من زاويتين: تفسيره كظاهرة عدوانية، وتفسيره باستخدام علم نفس التحكم الداخلي.

هل التشبيح هو السلوك العدواني؟


في جوهره، التشبيح يحتوي على مكونات من السلوك العدواني، لكنه يختلف عنه  سياقا وهدفا. فالسلوك  العدواني  هو أي تصرف يهدف إلى إيذاء الآخرين بدافع الغضب, أو الرغبة في الهيمنة والسيطرة وقد يكون فرديًا أو غير منظمًا. أما التشبيح، فهو عدوان منظم وممنهج، مرتبط بدوافع مثل الولاء  لفئة  معينة أو تحقيق مكاسب مادية أو معنوية.



هل التشبيح هو التنمر؟


التشبيح ليس مرادفا مباشرا للتنمر, لكن بينهما أوجه تشابه واختلاف. فكلا السلوكين يتسمان بالعدوانية, لكن السياق والأهداف يجعلان التشبيح مختلفًا عن التنمر.فهما متشابهان من حيث: العنف والإيذاء للآخرين, اختلال القوة فكلاهما يتضمن علاقة غير متكافئة من حيث القوة والسلطة, الرغبة والسيطرة فالسلوك بالحالتين يهدف للسيطرة وبسط النفوذ على الآخرين.

أما الفروقات بين التشبيح والتنمر يمكن توضيحه كما يلي:


الطبيعة:  

التنمر:  سلوك عدواني فردي أو جماعي يحدث غالبًا في المدارس أو العمل.  التشبيح:  سلوك عدواني منظم وممنهج يتم في سياقات سياسية أو اجتماعية.


الدافع: 

التنمر: غالبًا ما يكون شخصيا غيرة، كراهية، إثبات الذات

التشبيح: ولاء لجهة معينة, تحقيق مكاسب مادية, أو الحصول على النفوذ.


السياق: 

 التنمر: يظهر في البيئات التربوية أو الاجتماعية (كالمدارس)  التشبيح: يحدث في سياقات أكثر خطورة، مثل الصراعات السياسية أو حالات القمع الاجتماعي.


الهدف:

التنمر :    إذلال الآخر أو الانتقام لأسباب شخصية التشبيح: فرض السيطرة, التخويف, أو دعم جهة معينة.


التنظيم:

التنمر: سلوك غير منظم يحدث بسياقات شخصية او اجتماعية ضيقة.

التشبيح: سلوك منظم موجه يخدم اهدافًا جماعية, ويمارس غالبا باسم الولاء والانتماء أو السلطة.

بعض أعراض تظهر على الشخصيات التي تمارس " التشبيح":


- تجاهل الصواب والخطأ: يتجاهلون القواعد والأعراف الاجتماعية والأخلاقية  كما ويتجاهلون قيم الدين.

- الكذب والخداع : يستخدمون الكذب والخداع لاستغلال الآخرين, والتغرير بهم.

- العدوانية: يظهرون سلوكيات عدوانية ومتكررة سواء كان عدوان واضح ضرب, اعتداء...  أو عدوان سلبي – التآمر, التشجيش العاطفي, نشر الشائعات وأعمال التخريب.....

- الاندفاعية: يتصرفون باندفاع دون التفكير في عواقب أعمالهم, وقد يصلحون الخطأ بأخطاء أخرى.

- عدم الشعور بالندم: لا يشعرون بالندم أو الذنب تجاه أفعالهم, ويقومون بالتبرير بدلا عن الاعتذار عن أخطائهم وربما يلعبون دور الضحية.


أسباب ودوافع ظاهرة " التشبيح:


رغم أن "التشبيح"   ليس مصطلحًا معتمدًا في علم النفس، إلا أن سلوكياته يمكن فهمها من خلال عدة نظريات نفسية واجتماعية:


1-    التعلم الاجتماعي:

يتعلم الأفراد سلوكيات التشبيح من بيئتهم من خلال التربية وأساليب التنشئة,  وقد يكون ذلك تقليدا لشخصية الأب العدوانية – القدوة –، في هذه البيئة  يُشجَّعون على العنف كوسيلة لحل النزاعات أو تحقيق أهدافهم ومكاسبهم. كما قد يعتقد البعض أن الآخر هو عدو والحل في إلغائه.


2-    اضطرابات الشخصية:

 بعض الأشخاص قد يظهرون ميولًا عدوانية بسبب اضطرابات فسيولوجية أو اجتماعية أو نفسية مثل الشخصية المضادة – المعادية -  للمجتمع والتي تتسم باللامبالاة تجاه حقوق الآخرين.


 3- الرمزية النفسية:  

غياب الأب أو وجود شخصية قاسية في الطفولة  الأمر الذي يدفع الناشئ إلى التمرد أو الخضوع كما ويختل الانتماء لدى هذا الفرد ويبحث عن أب بديل وبالتالي من الممكن أن يشكل انتماء لمجموعة  تقدم له شعورا بالأمان والهوية مما يعزز ارتباطه بجماعة معينة ومن ثمّ ممارسة التشبيح لصالحها.

4- إشباع الحاجات النفسية:  

جميع السلوكيات البشرية هي محاولات لتلبية حاجات أساسية. ووفقًا لعلم نفس التحكم الداخلي، يمكن تفسير “التشبيح” كخيار شخصي لتلبية احتياجات معينة، مثل الحاجة إلى الأمان، أو التقدير، أو المتعة.... إن فهم التشبيح من خلال علم نفس التحكم الداخلي يعطينا إمكانية لإيجاد حلول بديلة لهذا السلوك التشبيحي.

تفسير التشبيح من خلال علم نفس التحكم الداخلي:


علم نفس التحكم الداخلي يفترض أن البشر مشتركون بالاحتياجات النفسية الإنسانية وسلوكيات البشر ما هي إلا مساعي لتحقيق صورا ذهنية تلبي الاحتياجات النفسية.

التشبيح والحاجات النفسية:


1. الحاجة إلى الأمان (البقاء):

في بيئات غير مستقرة أو خلال الأزمات، قد يرى الأفراد في سلوك التشبيح وسيلة لضمان بقائهم, والحصول على الحماية من السلطة التي ينتمون إليها, فالشعور بالتهديد أو الخوف من العقاب يدفعهم لاختيار العنف كوسيلة للحماية.

 

2. الحاجة إلى الحب والانتماء:

الانضمام إلى جماعات عدوانية لتلبية حاجة الشخص للشعور بالانتماء والقبول الاجتماعي, وبالتالي في حال كان يعاني الشخص من العزلة أو التفكك الأسري – في صغره أو كبره – يصبح التشبيح خيارا يملأ الفراغ.ويصبح التشبيح وسيلة للشعور بأنهم جزء من جماعة لها قوة أو تأثير مع تقديم مصالح الولاء للجماعة حتى لو على حساب الحق والعدالة.

 

3. الحاجة إلى القوة والتقدير:

كثير من السلوكيات العدائية تعكس بحثا عن الشعور بالقوة أو إثبات للذات لدى منتهجها, العديد من الأفراد الذين يعانون من مشاعر العجز أو فقدان التقدير الاجتماعي أو نقصا في تقدير الذات قد يجدون في التشبيح وسيلة لاستعادة قوتهم أو الحصول على التقدير وقد يشعر البعض أن العنف هو الطريق الوحيد لفرض احترام الآخرين.

 

4. الحاجة إلى الحرية:

بالنسبة للبعض، قد يكون التشبيح تعبيرًا عن التمرد أو الرغبة في التخلص من القيود سواء الاجتماعية أو السياسية. كما ويشعر الأفراد الذين يعانون من القيود القسرية أن العنف هو السبيل لاستعادة حريتهم.

 

5. الحاجة إلى المتعة:

في بعض الحالات، قد يختار الفرد العنف لأنّه يوفر له متعة فهو يستلذ بسلوكياته التشبيحية تلك ويروح فيها عن نفسه. هذا ويمكن أن تكون المتعة ناتجة عن مشاعر السيطرة التي يشعر بها الشخص عندما يمارس العنف, ويمكن أن يكون سلوك التشبيح متعة مؤقتة يخفف عن صاحبه مشاعر العجز أو الفراغ.

 

إن هوية النجاح للفرد وفقا لعلم نفس التحكم الداخلي تتحقق عندما يلبي الفرد احتياجاته كلها بطرق إيجابية وبحيث لا يؤثر سلبا على الآخرين, والنجاح وهويته لا يقتصر على النجاح في العمل فقط أو بالعلاقات فقط أو بالعلم فقط, بل يجب أن يتضمن الاستمتاع بالحياة, والاستمتاع هنا لا يعني ترفيه وتسلية فقط, بل قدرة على التمتع بالتجارب اليومية والشعور بالراحة والرضا دون المساس بحاجات الآخرين. وفي حال كانت حاجة من حاجات المرء مهددة أو غير ملباة فسيشعر الفرد بالفشل حتى لو كان يحقق نجاحا في جوانب حياته الأخرى.

 

حلول مقترحة لظاهرة التشبيح:

 

يمكن للأفراد اختيار سلوكياتهم، كما أن الفرد مسؤولا عن سلوكياته وبالتالي يمكن مساعدة أولئك الذين يتبنون سلوكيات تشبيحية على تعديل اختياراتهم من خلال:

            1.  تحسين العلاقات: تعزيز العلاقات الإنسانية الصحيحة والودية لتلبية الحاجة إلى الحب والانتماء, مع تغيير انتمائهم إلى بيئة أكثر تسامي وتمسكًا بالقيم.

            2.  تغيير الصور الذهنية: مساعدة الأفراد على إدراك أن العنف - سواء الظاهر أو السلبي - ليس الوسيلة الوحيدة لتحقيق القوة أو الاحترام, بل هناك الكثير من البدائل في الحياة والتي يمكن تبنيها لتلبية الاحتياجات.

            3.  تلبية الحاجات النفسية بطريقة صحية: تعليم الأفراد وسائل وسلوكيات أخرى لتلبية حاجاتهم مثل الرياضة أو العمل التطوعي, أو خدمة الآخرين  بدلًا من اللجوء للعنف.

            4.  التثقيف والتوجيه: نشر الوعي حول أضرار التشبيح وتعليم الأفراد بدائل سلمية لحل النزاعات.

5. تعزيز سيادة القانون: لتقليل فرص استخدام التشبيح كوسيلة للسيطرة أو القمع.

6. التوعية المجتمعية: لتغيير القيم الثقافية التي تبرر العنف.


ختامًا


كما لاحظنا يمكن فهم “التشبيح” كظاهرة عدوانية خطيرة ومعقدة تؤثر على المجتمع وتتأثر بعوامل نفسية واجتماعية وثقافية، ومع ذلك يمكن من خلال فهم السلوك الإنساني تقديم حلولًا عملية للتغيير من مثل تغيير الصور الذهنية وتحقيق حاجات الأفراد بطرق إيجابية، وكل ذلك سيسهم في تقليل احتمال اللجوء إلى العنف كخيار.








Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page