top of page

البخل العاطفي

التواصل الدائم والحوارات المفتوحة أساس العلاقات الإنسانية، لا تزدهر علاقة بدون التواصل، بل لا يمكن قول أن العلاقة موجودة ما لم يكن هناك تواصل.

وعلى العكس فالتواصل اللائق يجعلك تبدأ علاقة صداقة من الصفر، أو حتى علاقة زواج.


الانتقاد واللوم والسخرية وغيرها يمكن أن توتر العلاقات لكن البخل العاطفي أو الصمت العقابي يهدد العلاقة أكثر من باقي السلوكيات ، خاصة أن الإنسان اجتماعي بطبعه يحتاج أن يُحب ويُحَب.


هذا البخل في كثير من الأحيان يقود الطرف الآخر للابتعاد أكثر وأكثر، لتجد الثاني في نهاية المطاف يرفض إعادة التواصل عندما يحاول الطرف الأول العودة، ضريبة بخل المشاعر والانسحاب عالية جدا، وخاصة إن كان يتمتع الطرف الثاني بكرامة عالية.


ما هو البخل العاطفي؟

التعريف العلميّ:

هو نمط سلوكي نفسي يتضمن الامتناع المتعمد أو غير الواعي عن تقديم الدعم العاطفي أو التعبير عن المشاعر، مثل الحب، أو الاهتمام، أو التقدير، أو الحميمية، الذي يحتاجه الطرف الآخر في العلاقة.

ويصنف هذا السلوك ضمن أنماط التجنب العاطفي لحماية ذاته من الخيبات.


أو للتحكم العاطفي بالطرف الثاني فيخضع لرغبات الطرف المتحكم.

بخل المشاعر يعد من أشكال الإهمال أو الاعتداء العاطفي. (Emotional Abuse )



أشكال البخل العاطفي


البخل العاطفي لا يكون بشكل واحد بل يتبدل ويتحول وسأسوق إليك أيها القارئ العزيز بعض الأمثلة:

١- الامتناع عن الكلام أو التواصل.

٢- الامتناع عن التعبير عن الحب أو الدعم أو التقدير.

٣- الامتناع عن العناق أو اللمسة أو العلاقة الحميمة.

٤- الامتناع عن الاهتمام، بينما يعلم أن الطرف الآخر يتألم.


لماذا يبخل أحدهم بالمشاعر؟

البخل بالمشاعر له عدة أسباب بعضها مقصود وبعضها غير مقصود

فإن كان وسيلة للسيطرة أو العقاب فهو مقصود.

وإن كان لتجنب مشاعر مؤلمة عميقة فيحمي نفسه من خيبات أخرى فهنا ربما يكون عن وعي أو قلة وعي.

أو لجهل صاحبه بالطريقة الملائمة للتعبير عن مشاعره.

أو لنشأته في بيئة ترى في التعبير عن المشاعر ضعفًا واستكانة، وقد ضن الوالدين في تلك البيئة على أولادهم بالمشاعر.


السبب الجذري للبخل العاطفي:

برمجة الناس أثناء طفولتهم للاستجابة للمواقف الضاغطة عن طريق تجميد مشاعرهم وتخديرها عندما لا يكون متاحا لهم الهجوم أو الهروب خاصة عندما يكون الطرف الضاغط هو الوالدين.

فيصعب على الأولاد الصغار الضعاف قتال والديهم، كما أنهم لا يمكنهم الهرب بعيدا عن الوالدين، فيصبح الرد على المواقف الموترة بالتجمد وتخدير المشاعر.


ذلك يطور فيهم السلوكيات التجنبية فيمارسون تلك السلوكيات في علاقاتهم عندما يكبرون.

لكن في الكبر هذا السلوك يشل العلاقات وقد يقتلها.


ففي العلاقة الزوجية: أحد الزوجين يتعمد السكوت أو البرود، أو يتوقف عن تلبية حاجات وخصوصيات العلاقة الزوجية، ليبدأ الطرف الثاني بالتألم الصامت الذي لا يشعر فيه أحد.


ومع الأطفال: ترى أحد الوالدين يغيب الحب والاهتمام والتقدير عن طفله حتى لو كان الطفل بحاجة ماسة له.


وفي الصداقات: يتوقف أحد الطرفين عن التواصل دون توضيح، كوسيلة للضغط على صديقه.


أنماط بخل المشاعر:

ليخل المشاعر أنماط بعضها متعمد ويحدث عن وعي وترتيب مسبق والآخر يحدث بلا وعي أو معرفة وإليك تفصيل هذه الأنماط…

١- بخل المشاعر المتعمد المسيطر:

غالبا يقوم به الأناس المسيطرون المهيمنون بشكل متعمد فيصمت عقابا للطرف الآخر، ويمتنع عن كل ممارسات الحب والود والتقدير وغيرها فيشعر الطرف الآخر بالعزلة والضعف فيرضخ للطرف الضاغط وهذا النوع هو أكثر أشكال الاعتداء العاطفي تواجدا وانتشارا وفيه يكون التلاعب الممنهج لأهداف شخصية


٢- بخل المشاعر النمط الدفاعي:

وهذا النوع يتم كردة فعل لا واعية لحماية النفس من مزيد من الألم جراء الهجوم المتكرر من علاقة ما، لا يهدف المنسحب هنا لعقاب الطرف الآخر ولا يدرك ذلك حتى، بل هو يتصرف بدافع حماية الذات؛ جذوره العميقة إما صدمة سابقة وإما في طفولته كان بعلاقة والدية مسيطرة مهيمنة لم يجد فيها وسيلة لدفع الألم سوى بالتجمد والانسحاب.


٣- بخل المشاعر الناتج عن ضعف المهارات العاطفية:

في هذا النوع لا يعبر الطرف الأول عن مشاعره

بشكل غير واعٍ سببه الأساس أمية المشاعر، الناتج إما عن نشوء الطفل في بيئة متصحرة لا تعبر عن مشاعر الحب للطفل، أو لا تتيح فرصة للتعبير عن المشاعر وتراه شيء بلا قيمة.


٤- بخل المشاعر رفضا للالتزام:

هذا النوع يكون متعمد لحد ما، لكن يمارسه صاحبه ليبقى معتمدا على ذاته مستقلا بها، أو هربا من الانكشاف العاطفي، وقد يدعي أنه لا يحب الدراما أو يرغب بحماية ذاته

لكن الأساس هو رفضه لتحمل مسؤولية العلاقة.

وهذا يتجلى بسلوكيات من مثل إغلاق الحديث في لحظات القرب العاطفي، الانسحاب عند محاولة الحديث عن المشاعر، السخرية من المشاعر.


هل يتغير منتهجوا أنماط بخل المشاعر؟


سؤال مهم ويعتمد بشكل كبير على الشخص ووعيه ورغبته الحقيقية بالتغيير

إذا أن { لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }

وكذلك يعتمد على نمط الانسحاب، وإليك تفصيلا بإمكانيات التغيير:


١- النمط المتعمد للسيطرة: يمكن التغيير ولكن يصعب في حال كان منتهج السلوك نرجسي أو مختل نفسي أو متلاعب، وأول الخطوات تحميله عواقب سلوكه وتبعاتها فهو إنسان لا يتعلم إلا بالأسلوب الصعب، كما أنه يتطلب تدخلات متخصصة لتساعده في عملية التغيير تلك.


٢- النمط الدفاعي: يمكن أن يتغير ويحتاج تدخل لفك برمجة سلوكياته السابقة حتى يتوقف عن تلك الأنماط الانسحابية.


٣- النمط الناتج عن ضعف المهارات:

يمكن أن يتغير ويحتاج تعلم لغة المشاعر والتدرب التعبير عنها، بعيدا عن البيئات المنتقدة، وسيكون مساعدا له وجود نموذج يحتذي به.


٤- النمط الناتج عن رفض الالتزام:

يحتاج التواجد في بيئة آمنة عاطفيا، لا تتخلى عنه إن وثق بها، عليه أن يعمل على نمط التفكير المخوف من الاقتراب وتأسيس العلاقات، ربما يساعده العلاج الواقعي والعلاج المعرفي السلوكي.


كما لاحظنا بخل المشاعر سلوك يدمر العلاقات ويبني جدر العزلة، ويهدم لا يبني، والتغيير كذلك ممكن وأجمل التغيير عندما تتصل بإنسانيتك وترى أنك تستحق أن تكون في علاقات تتبادل معها الود والحب متصلا بها، مظهرا ذاتك بصدق.


 
 
 

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page