top of page

فن التغافل.. تربية بحكمة لا بردود الأفعال



جاءت امرأة، فسألت حاتماً عن مسألة، فانفلت منها صوتٌ محرج،  لتتورد وجنتيها حرجا، فقال حاتم متظاهرا بالصمم: ارفعي صوتك..

فانفرجت أسارير المرأة بذلك، حتى قالت: إنه لم يسمع الصوت. فلُقّب بحاتم الأصم.


هكذا التغافل عن صغائر الأمور والهفوات، وما يصدر من زلات لا تؤذينا، بل هي تحرج صاحبها.


ما التغافل؟


حتى نعرف التغافل سنبدأ بتعريف الغفلة،

فالغَفلةُ: غَيبة الشَّيء عن بال الإنسان وعَدَم تذكُّرِه له.

وأغفَلْتُ الشَّيءَ إغفالًا: تركتُه إهمالًا من غيرِ نِسيان. وجاء في الدعاء المأثور { اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ولا تجعلنا من الغافلين}.

وتغافَل: أرى من نفسِه ذلك وليس به، والتَّغافُلُ: تعمُّدُ الغفلةِ، أي: ترى وتفهم، وتختار التجاوز، لا من ضعف، بل من رحمة.


أما التَّغافل اصطِلاحًا:

هو وَضعُ الغفلةِ في موضِعِها الذي يُذَمُّ فيه البحثُ والتَّقَصِّي؛ فهو فَهمٌ للحقيقةِ، وإضرابٌ عن الطَّيشِ، واستعمالٌ للحلم، وتسكين للمَكروهِ.


لماذا نتغافل؟


حفاظا على ود علاقة وعدم إحراجها.

وأكثر من يحتاج منك تغافل أهل بيتك، وأخصهم فلذات كبدك، فهم مازالوا براعم تتفتح، تؤذيها رياح الانتقاد واللوم والسخرية والصراخ، والضرب، فتكون النتيجة ورود مشوهة.


لماذا يجب عليك أن تتغافل عن أطفالك؟


تتصرف الأطفال ببراءتها، وهي بالتأكيد لم تصل بعد لمستواك كوالد بالمهارات والقدرات والقيم، يسيرون في درب الحياة ومع كل خطأ يقعون فيها إما أن تكسبه لتعلمهم ما ينفعهم لحياتهم، أو تعاقبهم فتفوت عليك فرصة تعليمهم وتتحطم معها علاقتك معهم.


فقد يسكب طفلك كأسا من الماء أو يسقط شيئا ما، عن غير قصد، فهنا إن عاقبته كسرته، وإن تغافلت عنه، وأعطيته ما يعينه على إصلاح ما أفسده لتعلم تحمل مسؤولية أخطائه وبنفس الوقت حافظت على علاقتك الوالدية معه.


وعندما يصل لفترة المراهقة تلك الفترة التي تشتكي لي منها الأمهات والآباء حول انغلاق مراهقيهم على أنفسهم وإيثارهم الصمت على الحديث معهما، تلك الفترة الحرجة التي لا بد فيها من انفتاح المراهقين على والديهم فيعينوهم على تصحيح مساراتهم أولا بأول، إن أكثر ما يعينك على ذلك التغافل، فيطمئن الطفل بأن هناك مساحة أكبر لطلب المساعدة من الأبوين إن وقع في الخطأ.

وهو أكثر ما يحتاجه ابنك عندما تضل بوصلته، أن يجد يدك تسحبه لينهض من جديد وتضعه على الطريق الصحيح.

وكما قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه العقل ثلثه فطنه وثلثاه تغافل.


ما الذي ستحصده من خلق التغافل مع أبنائك:


١- بقاء علاقتك معهم طيبة والتي هي أساس التربية.

٢-  التغافل عن بعض السلوكيات المزعجة لأطفالك يعلمهم التسامح وإقالة العثرات بشكل عملي.

٣-  تبعد عن طفلك مشاعر الحرج والشعور بالذنب، وتولد فيه الثقة بنفسه وبك.

٤- مواجهة خطأ الطفل بسلوكيات غاضبة من الوالدين، تعلم الطفل انتهاج نفس النهج، فتجده يغضب لو استعارت منه أخته قلمه، أو أسقطت له دفتره بالخطأ …..إلخ

فالتغافل يساعدك في تعليم طفلك ضبط انفعالاته بشكل عملي.

٥- التغافل يعطيك فرصة لتفهم السلوك، وتوجه  للإصلاح بطرق أكثر حكمة وغير مباشرة كأن تقص عليه قصة، حكمة، حديث، آية… فاتحا أمامه نوافذ على بدائل جديدة أكثر إيجابية،  معطيا إياه فرصة ليراجع نفسه دون أن توقعه بالإحراج.

٦- تذكر أن التغافل يصون كرامة طفلك، والكرامة قيمة عليا في حياة العربي.



متى نتغافل؟ وهل ينفع التغافل مع كل السلوكيات؟

سؤال قد يجول في ذهنك الآن، لا تقلق سأجيبك

١- تغافل عند كل صغيرة وهفوة وذلة لا تؤذي طفلك، ولا تؤذي الآخرين.

٢- تغافل عن كل سلوك صدر خطأ لا عمدا.

٣- تغافل عن السلوك لأول ٣ مرات.

٤- تغافل عن سلوكيات طفلك ما لم تمس دين أو صحة وسلامة أو قانون.

تذكر أن تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل.


وتعلم من النبي الأكرم صلوات الله عليه التوجيه الحسن للسلوك الخاطئ وإليك قصة نبوية للعبرة:

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ : " بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ . فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ؛ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي ، لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ؛ مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ؛ فَوَاللَّهِ : مَا كَهَرَنِي ، وَلَا ضَرَبَنِي ، وَلَا شَتَمَنِي ، قَالَ : ( إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ )……..


فالتغافل لا يعني التهاون، بل يعني أن تسلك بعين الحكمة لا بعين ردود الأفعال.

في بيتك كن عذب الكلام، لطيف الحضور، واسع القلب، مقيلا للعثرة، كثير التغافل فبذلك تبنى البيوت.

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page