top of page

حين يُطعن العطاء…معروف في غير أهله



عَرَفَتها لسنوات، غريبة في بلاد غريبة وصلت عروسا وقطنت جوارها، في يوم وصولها، رتبت لها بيتها، على الرغم من عدم لقاءها بها بعد،

وأفلت لبيتها وقامت على شؤنه لتتمكن بعدها من السهر بهدوء وإعداد عشاء العروسين، قبل وصولهما من المطار.


لم تكن الجارة خالية الأشغال لكن في قلبها حب للخير يملأ رحابة الكون يفسح لها في الوقت فتعطي الخير لمن تعرف ومن لا تعرف، بعد عدة أيام تعرفت عليها في الطريق مصادفةً، وبعد مدة دعت الجارة العروسين لبيتها.


مرت أيام وأيام عاشت خلالها العروس ظروفًا صعبة، صعبة جدا، فيوم تريد الانفصال، ويوم تريد العودة من حيث أتت، ويوم تريد السفر لبلاد بعيدة، وفي كل بضعة أيام تلتقي معها الجارة متضايقة وقلقة مما تسمع! ووابل من الأسئلة يتقافز في عقلها! فكيف نهدم بيتا قبل أن نصبر على بنائه؟ وكيف نؤذي أنفسنا وغيرنا لطيش وأنانية ترعرعت فينا؟


كانت تلك الحالة تحتاج صبر نوح عليه السلام، وحكمة سليمان وفصل خطاب داود، وحجج إبراهيم ولا بد من رحمة الخضر لدفع تلك القرارت الطائشة الصادرة من غِرّة في الحياة الزوجية في بلاد الاغتراب.


وجدت في تلك الجارة كتفًا تضع رأسها عليه في كل مشكلة وفي كل حزن وفي كل مطب وفي كل مأزق، منحتها الجارة وقتها حينما بخل عليها أقرب الناس بالوقت، أهدتها التفاؤل حينما ملأها الناس من حولها بالتشاؤم، أثنتها عن قراراتها التي لو اتخذتها لما كانت هي بعد ذاك.

كانت كأم رؤوم يملأها الحرص على مصلحة طفلتها حتى لو لم تدرك بُعد النظر فيما يقال لها.


مرت أشهر وحان موعد ولادة القمر ذاك القمر

الذي منعت تلك الجارة وأده قبل ميلاده لحجج أنانية واهية.

جاء القمر الذي توسمت فيه الجارة أن يكون نورا يضيء تلك الظلمة القابعة في أعماق قلب العروس، رأت فيه خيرا سيمسك بيد العروس ويضعها على بدايات درب التعافي، التعافي من ظلمات أدركتها الجارة ولم ترها العروس.


تلك العروس التي لم تعتد على شكر النعمة ولم تنشأ نشأة تعترف بالفضل، إنما بيئة جحود من أولها لآخرها وكأنها ثكنة عسكرية، الطفل فيها مجند يطيع أوامر رئيسه دون تردد أو تذمر فالسلطة التي تصدر تلك الأوامر مسؤولة عنها، بيئة كلما نظرت إلى من فيها حسبتهم جميعا وقلوبهم شتى، بيئة الظلم والقهر والعنف، بيئة تحقيق أحلام الضباط دون تردد أو تذمر، رؤوساء ديدنهم تحصيل الشهادة لا العلم، الوصول للقمة حتى لو على حساب القيم، الأخلاق، أو الصحة…. لا يهم

المهم أن تكون "رقم واحد"، بالغش بالخداع لا مشكلة المهم " الأول"


مرّت سنوات وسنوات لتحقق تلك العروس صورا ذهنية رسمتها لها تلك الجارة في ذات الأوقات التي أعمت ظلمة الظروف عيني العروس وأصمت أذنيها.

وصلت، ولكن لم يكن لديها لسان صدق يشكر الأيادي السالفة! فما كان من أم عامر إلا أن انتهجت نهجا مؤذيا هدفه تحطيم الجارة التي ظنت أنها جادت بمعروفها على شاكر.


وشاء ربك مشيئة فعرفت الجارة ما خفي من تلك العروس، فلم يكن منها إلا أن واجهتها بفعلتها! فنكرت كما نكرت ما سلف من نعم الله! فإذ بالجارة تقدم ما تقدم من أدلة مُدينة، فلما وجدت العروس نفسها مدينة بالاعتذار والإصلاح و بالاعتراف بالأيادِ السالفة، قالت للجارة

"أنت عندما وقفت معي لم يكن عملك لي كان لله! فما مكاني من الإعراب أنا؟"


تعجبت الجارة أيما عجب من كلام يطرق مسامعها لأول مرة!

فلم يمر عليها جحود بهذا الحجم، جحود ممزوج بالتلاعب، وهل تتوقع اعترافاً بالفضل من شخصية الثالوث المظلم؟


فأجابتها الجارة أنا أقدر كل عمل لي صغيره وكبيره، وصدق من قال:

إن أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أكرمت اللئيم تمردا


وعلمتها كما لم تكن تبخل بتعليمها سابقا:

"لا يشكر الله من لا يشكر الناس "


ثمة أفئدة يثقلها العطاء، لأنه ينير ما في داخلها من عتمة، عتمة الجحود والنكران، فيغذي عطاؤك فيها أشواك الغدر لتأفل منها متألما! متعجبا! فكيف يؤذيك من كان له كتفك يومًا كنفًا ووقاء،

لكن مزاياك تفقدهم ذواتهم وتريهم صغر أنفسهم وحقيقة أحجامهم، فيزين لهم شيطانهم أذيتك ليكبروا في عين أنفسهم.

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page